أفين يوسف: الإعلام المكتوب مشوباً بالمشاكل والعقبات

0 33

في هذا المحور نناقش الصعوبات والعقبات التي تعترض طريق الكاتب الصحفي والوسائل الإعلامية المكتوبة من صحف ومجلات والتي لاحظنا جميعاً مدى ازديادها في مناطق الشمال السوري في السنوات الأخيرة بعد الثورة، كما علينا النظر بعين المسؤولية للخطاب واللغة والمهنية والتقنية التي تستخدم في كتابة المواد والمواضيع في الأعداد الصادرة عن تلك الوسائل، ومدى تسخير اللغة والبلاغة والفصاحة واختيار المصطلحات المناسبة للحالة التي يتم تسليط الضوء عليها إن كانت مواضيع اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها، وما مدى تأثيرها على المجتمع وأيضاً تأثيرها على أداء الإدارة الذاتية وعملها، فكلنا يعلم أن الإعلام يساهم بشكلٍ كبير في توعية المجتمع وطرح مشاكله واقتراح الحلول المناسبة كما يجب أن تعمل الوسائل الإعلامية على نقد الأخطاء والتقصير والفساد وتحليلها بشكل موضوعي ومهني ونشرها، ففي معظم دول العالم يمثل الإعلام السلطة الرابعة التي تساهم في إدارة المجتمع وتصحيح الخلل الإداري لدى الحكومات والسلطات من خلال حرية التعبير والاستناد إلى الوقائع وتحليلها بشكل موضوعي وشفاف وبالتالي تصحيح الأخطاء والوقوف على الانتقادات وإعادة النظر في عمل الكثير من المؤسسات والوزارات.

 

مع بدايات تأسيس المعاهد و الكليات الخاصة بالإعلام في سوريا لم يكن بمقدور معظم طلاب محافظة الحسكة الراغبين بدراسة الصحافة الدراسة في كلية الإعلام لأسباب أمنية واستخباراتية, لذلك اقتصرت الكوادر الإعلامية المتخصصة في الحقل الإعلامي على الدفعات المتخرجة خلال العقدين الأخيرين والذين لم يكونوا على قدم المساواة في نيل فرص العمل في المجال الإعلامي أسوة بزملائهم من باقي المحافظات, إضافة إلى أن الإعلامي لم يكن بمقدوره مزاولة مهنة الصحافة بشكل حر ولصالح وكالات إعلامية أجنبية إلا من خلال قنوات تواصل خاصة و بأسماء مستعارة خشية الملاحقة والاعتقال من قبل النظام الحاكم, لذلك لم يكن أمام الإعلامي في محافظة الحسكة حل سوى الابتعاد عن مجال دراسته والإذعان للأمر الواقع ومزاولة أعمال أخرى غير الإعلام و بعيداً عن مجال تخصصه مما انعكس سلباً عليه كفرد وعلى الواقع الإعلامي في المنطقة من حيث وجود الكادر الإعلامي المتخصص لاحقاً.

مع بداية الثورة و كغيرها من المجالات الثقافية و الاجتماعية شهدت المنطقة فعاليات و أنشطة إعلامية و ظهرت قنوات تلفزيونية و إذاعات و صحف متنوعة لها متابعة واهتمام بالشأن الإخباري اليومي للمنطقة, مما كان لزاماً عليها تأمين كادر إعلامي يؤمن لها المادة الخبرية, وهنا ظهرت بدايات ( المشكلة ) إن صح التعبير, فقد عمدت تلك الوسائل الإعلامية الاعتماد على مراسلين غير متخصصين مهنياً مما أدى إلى ظهور ( المواطن الصحفي ) الذي استفاد من توفر شبكة الانترنيت و وسائل تواصل الاجتماعي المتنوعة في إرسال مادته الإعلامية إلى الجهة المتعاقد معها و بما يتناسب فحواها مع أجندات تلك الجهات.

ولتنظيم العمل الإعلامي في روج آفا ولدعم هذا النشاط الإعلامي المتنامي تأسس اتحاد الإعلام الحر عام 2012م ليكون المظلة التي ينضوي تحت ظلها الإعلاميون، كما لجأت الإدارة الناشئة عام 2014م إلى سن تشريعات ناظمة للعمل الإعلامي في المنطقة من خلال تأسيس المجلس الأعلى للإعلام وصياغة قانون خاص بالإعلام يتقيد به كل من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية العاملة في روج آفا.

ولكن رغم تلك الإجراءات ظل الواقع الإعلامي في روج آفا يعاني من مشاكل جمة تعترض مسير تطوره المهني … في هذا الصدد سنحاول مقاربة تلك العقبات و العراقيل التي تعترض عمل الصحفي و كيفية تطوير الإعلام المكتوب فقط.

جدير بالذكر أن نشير إلى أنه لا توجد في روج آفا كلية خاصة بالإعلام حتى اللحظة, و أن المعاهد الخاصة و على ندرتها غير قادرة على رفد الحقل الإعلامي بالكادر التخصصي , إضافة إلى وجود تدريبات جداً بسيطة عبر حلقات أو دورات تدريبية تنظمها جهات عدة منها منظمات المجتمع المدني و المؤسسات الإعلامية الحزبية والأكاديميات التابعة للإدارة الذاتية، و كذلك بعض المبادرات الفردية لبعض الشباب الطموح.

فما هي العقبات والصعوبات التي تعترض الصحفي في حقل الإعلام المكتوب؟ هنا لا بد من فرز تلك العقبات و الصعوبات ما بين ما هو متعلق بأسباب ذاتية مرتبطة بشخص الصحفي , و بما هو موضوعي متعلق بواقع المؤسسات الإعلامية في ظل الإدارة الحالية للمنطقة عبر التشريعات والمكاتب ذات الصلة بالإعلام.

الأسباب الذاتية المهنية ( و هي لا تعمم ):

  • إن معظم العاملين في الصحافة المكتوبة كغيرهم من الإعلاميين ليسوا من خريجي كلية الصحافة الرسمية للدولة مما ينعكس على أدائهم لعدم خبرتهم بالمعايير والنظريات الإعلامية التي يستند إليها عادة الصحفي المهني.
  • أغلب من يمارس هذه المهنة إنما التجأ إليها كفرصة عمل ليس إلا مما يعجزه عن تحقيق النجاح المطلوب، وعلى الرغم من أنه كان للعديد من هؤلاء دور فاعل في النشاط الإعلامي إلا أنهم بقوا على ذات الوتيرة ولم يطوروا من أدائهم أو يستفيدوا من التجربة على مدى سنوات عملهم في السلك الإعلامي، فبقيت موادهم الإعلامية وبالأخص المكتوبة تتبع ذات النمط (القالب المتعارف عليه) في الصحف والمجلات المحلية.
  • معظم العاملين في المؤسسات الإعلامية تلقوا دورات تدريبية بسيطة, و لم يسعوا إلى تطوير ذاتهم فوجدوا صعوبة في مواكبة التطور الهائل للإعلام و وسائله.
  • افتقار الأغلبية إلى القدرات اللغوية و المهارات الكتابية المطلوبة التي بدونها لا يمكن صياغة الخبر أو كتابة التقرير بالطرق المهنية والاحترافية ذات التأثير على القارئ ما أثر سلباً على ممارسة العمل الصحفي المكتوب.
  • الثقافة الضحلة للإعلامي و التي تنعكس على جودة المادة الإعلامية المكتوبة و عدم غناها معرفياً وعلمياً، لتبقى المادة المكتوبة مقتصرة على أخذ الآراء وبعض التصريحات فقط دون معالجتها وتحليلها.

و غيرها من الأسباب الذاتية التي تختلف من شخص إلى آخر و التي تتعلق بالعمل وفق ميثاق الشرف الصحفي و التي إن انتهكها الإعلامي فإنه يخلق مصاعب آنية و مستقبلية لنفسه أولاً و لزملائه ثانياً، كما أن أصحاب الأقلام المأجورة و العاملين وفق أجندات خارجية يتعمدون الإساءة و يسعون إلى التخريب من خلال خطاب الكراهية والذي يعكس مدى افتقارهم إلى أدنى القيم الإنسانية و الأخلاقية المطلوبة لممارسة أي مهنة.

أما بالنسبة للأسباب الموضوعية و التي تعيق تطور الإعلام المكتوب فلابد من تقسيمها إلى :

أولاً- ما هو متعلق بالتشريعات الناظمة لعمل الإعلام المكتوب. وهي غير موجودة حتى الآن إذ أن التشريعات أو القوانين الموضوعة هي قوانين عامة ومبسطة كانت وليدة الوضع آنذاك ولم يتم تطويرها وفق المعايير العالمية وبما يناسب مقتضيات واقعنا في المنطقة.

ثانياً- ما هو متعلق بعمل دوائر القرار الإعلامي ( المجلس الأعلى للإعلام ) حيث بقي المجلس كوسيلة لمنح الرخص والمهمات الإعلامية دون ضوابط أو رقابة ومتابعة.

ثالثاً- ما هو متعلق بعمل اتحاد الإعلام الحر ( و هي بمثابة نقابة للصحفيين ) حيث من المفترض كما هو مذكور في نظامه الداخلي تنظيم دورات تدريبية خاصة بالإعلام على كافة الأصعدة، إلا أن محاولاته أيضاً في هذا السبيل كانت خجولة ولم يسعى لتطوير العمل الإعلامي بالشكل المطلوب ولأسباب يمكن النقاش حولها ضمن المحور.

 

رابعاً: ما هو متعلق بعمل المؤسسات الإعلامية الحزبية عامة.

إن المؤسسة الإعلامية الحزبية تستند على ثلاثة عوامل تؤثر في نجاحها و هي :

الكادر الإعلامي – المخصصات المالية للمؤسسة الحزبية – حرية المعتقد الفكري و الرأي السياسي.

إن معظم المؤسسات الإعلامية الحزبية  في روج آفا قبل الثورة اعتمدت في إصدار نشرات أو صحف أو مجلات إعلامية على كادر متطوع غير مختص بالإعلام و من الناحية المالية كانت تعتمد على الاشتراكات أو التبرعات مما لا يوفر لها المستلزمات الضرورية , و فيما يتعلق بحرية الفكر و الرأي فإنها كانت تجابه  عقبة شديدة وهي الناحية الأمنية, و لكن هل اختلف واقع حال الإعلام الحزبي بعد الثورة في روج آفا ؟ فمن حيث الكادر الإعلامي ظلت معظم تلك المؤسسات تعتمد على كوادر غير مختصة و إن لم تكن متطوعة , بينما من الناحية المالية إن كان الحزب منضوياً في الإدارة الذاتية فإن له مستحقات مالية مخصصة تجعل بإمكانه تجاوز الصعوبات المالية بدرجة مقبولة, و لكن إن كان الحزب خارج تلك الإدارة فأرجح الظن أنها ستعاني من الصعوبات المالية … بينما من ناحية حرية الفكر والرأي فإن الإعلام الحزبي للأحزاب المنضوية في إطار الإدارة الذاتية تستفيد من هامش الحرية المتاح لها بدرجة مقبولة بينما الأحزاب الأخرى سيظل واقع حالها شبيهاً بما قبل الثورة كونها لا تعترف بالإدارة أو القوانين الناظمة للعمل الإعلامي التي تم تشريعها في المنطقة …. أما فيما يتعلق بالمؤسسات الإعلامية المرتبطة بالحزب المتنفذ فإنه و للأسف و رغم الإمكانيات المالية المتوفرة ناهيك عن الحرية المتاحة له في تداول أفكاره و عقائده إلا أنه لا ينجح في الارتقاء بمؤسسته الإعلامية معتمداً على كوادر إعلامية غير مختصة بمعظمها.

 

خامساً: ما هو متعلق بعمل المؤسسات الإعلامية في الإدارة الذاتية.

رغم الموارد المالية المخصصة للمؤسسات الإعلامية المكتوبة في الإدارة الذاتية من صحف و مجلات عدة إلا أنها لا تحقق النجاح المطلوب و ما يعترض تطورها هو اعتمادها على كوادر غير مختصة و مدربة بالشكل المطلوب , إضافة إلى تدني مستوى الرواتب و المستحقات المالية للإعلاميين في كافة مجالات و أقسام عملهم و بذلك تفشل المؤسسة الإعلامية في استقطاب الكوادر الإعلامية المختصة في روج آفا للعمل ضمن تلك المؤسسات, من جهة أخرى لا تنجح تلك المؤسسات الإعلامية في انتقاء المادة الإعلامية و التي تتوافق مع رغبات المواطن و بذلك تخسر القارئ. فالإطار العام لتوجه تلك المؤسسات تفرض عليها اختيار ما يتناسب و توجهات الإدارة و كثيراً ما تتهرب من الإضاءة على المواضيع التي تهم المواطن و التي تنتقد عمل الدوائر التنفيذية و الخدمية …. فإذا لم تتوفر الشفافية و حرية الكتابة الصحفية لن تتطور تلك المؤسسة الإعلامية.

سادساً- هل استطاع الإعلام المكتوب باللغة العربية استهداف المجتمع العربي في مناطق الإدارة الذاتية؟

هل استطاعت الوسائل الإعلامية المطبوعة باللغة العربية المقاربة بين المكونات المتعايشة في مناطق الإدارة وعدم التمييز بينهم؟ وهل استطاع الكاتب الصحفي الكردي إيصال المعلومة بالصيغة المناسبة التي تلامس تطلعات المواطن العربي دون الوقوع في مستنقع القوموية والعنصرية.

سابعاً- على الرغم من الكم الهائل من المطبوعات إن كانت صحفاً أو مجلات أو حتى كتب هل هنالك معايير وضوابط ولجان مختصة لتقييمها قبل الطباعة؟ وهل لدور النشر والطباعة النادرة في مناطقنا شروط وقوانين لقبول النتائج أو رفضه؟

في سياق مضمون المحاضرة سأطرح بعض التساؤلات:

كيف لإعلام أن يتطور و فيه يتفاوت الإعلاميون في أجورهم و مستحقاتهم المالية؟ فهناك من بينكم الآن من يتقاضى في شهر واحد عن عمله لدى جهة إعلامية أجنبية , ما يتقاضاه زميله العامل لدى مؤسسات الإدارة لسنة كاملة وأكثر.

من جهة أخرى كيف لإعلام أن يتطور ولا يكون الإعلاميون فيه على قدم المساواة في حق الحصول على المعلومة, فما يحق للإعلامي لدى مؤسسات الإدارة الوصول إلية بحرية … لا يحق لزميله الإعلامي لدى جهة أجنبية مرخصة والعكس صحيح أيضاً. (تلعب في ذلك المحسوبيات والوساطات دورها).

كيف لإعلام أن يتطور وما يفصله عن قضايا الشعب و اهتماماته مئات الأميال؟

كيف لإعلام أن يتطور و هو يتحاشى أن يشير إلى الأخطاء و النواقص بكل جرأة.

مقترحات وتوصيات:

1- افتتاح كلية للإعلام في جامعة روج آفا تحت إشراف أكاديميين ومختصين خبراء بالعمل الإعلامي.

2- دعم المؤسسات الإعلامية المكتوبة ورفدها بالكوادر المهنية والاحترافية والمحررين الضليعين باللغة العربية.

3- استقطاب الكتاب الصحفيين المعروفين والخبراء من الأسماء المعروفة ذات التأثير من خلال تخصيص قيمة مالية عن المواد التي سيقدمونها (استكتاب).

4- تعديل قانون الإعلام بما يتناسب مع الواقع في مناطقنا وفق الشروط والمعايير المتبعة في القوانين العالمية وتخصيص تشريعات وقوانين خاصة بكل تخصص (مرئي، مقروء، مسموع).

5- تنظيم هيكلية المؤسسات الإدارية المتعلقة بالإعلام وتوزيع الصلاحيات عليها وفق الشروط المناسبة (التراخيص، والبطاقات الإعلامية، والمهام).

6- وضع آلية رقابة على العمل الإعلامي لتقييم المواد والمستوى الإعلامي في المنطقة ووضع خطط لتطويرها في حال لم ترقى للمستوى المطلوب.

7- العمل على وضع قاموس خاص بالمصطلحات الإعلامية عن طريق خبراء باللغة والإعلام تتقيد به كافة الوسائل الإعلامية.

8- نظراً لانتشار مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية حيث نلاحظ أن المواطن ابتعد عن القراءة الورقية بشكلٍ ملحوظ لذا على الجهات المعنية دعم المكتبات الخاصة والعامة ودور النشر والطباعة للحث على القراءة من خلال وضع آلية لتوزيع المطبوعات في جميع المناطق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.