واقع الإعلام المكتوب والغاية من الاهتمام بالصحف والمجلّات باللغة العربية

0 34

 

صلاح الدين مسلم

تمهيد

على الرغم من أنّ الإعلام هو الحالة التي يسوّق فيه الرأسمال العالميّ ومنظومته الاحتكاريّة نفسه، ويبثّ فيه ما يريد من سياساته ويغزو الذهنيّة المجتمعيّة، وعلى الرغم من تحوّل أفرادِ المجتمع كافّة إلى عبيد هذه الآلة التي تسوسهم من خلال شاشات التلفاز والجرائد والمجلّات ولوحات الإعلانات… حيث بات العنف والجنس والشهوّة والرعب الأداة التي تقود أولئك الأفراد، لكنّه أي الإعلام يعدّ الأداة التي ساعدت الحركات الثوريّة والأحزاب السرّيّة الكرديّة على نشر آرائها وأفكارها في وسط معين.

لقد كانت حملة نابليون بونابرت في عام 1798 على مصر مفتاح وصول أوّل مطبعة إلى العالم العربيّ، والسبب في صدور أوّل صحيفة عربيّة في القاهرة أو حلب.

وقد كان الكرد سبّاقين في إصدار أوّل صحيفة في التاريخ الكرديّ باسم كردستان في القاهرة في  22 نيسان 1898  أي قبل مئة وواحد وعشرين عاماً، بعدها تمّ إصدار جريدة كورد 1907 وجريدة شمس كورد 1911 وبانكي كردستان 1913 وزيانوا، وكلّها كانت تصدر بالأبجدية العربية للغة الكردية وبعضها باللغة التركية والفارسية والعربية إلى جانب الكردية.

أمّا جريدة هاوار التي أسّسها وأصدرها العلّامة الكرديّ جلادت بدرخان مع أخيه كاميران في عام 1932 تعدّ أوّل جريدة بالأبجدية الكردية اللاتينية التي تستعمل إلى يومنا هذا، وكانت ذات مواضيع أدبية وثقافية وأسطورية وملحمية وتاريخية، وتعدّ أرشيف الكرد، فمن خلالها تخرّج جيكر خون وأوسمان صبري وملاي تيريج….

لقد كان نشوء الصحافة الكرديّة والعربيّة على السواء على يد الطبقة الكرديّة الوطنيّة المثقفة الأرستقراطية، فكانت صحافة نخبويّة بامتياز، إلى أن ظهرت بعض الجرائد الحزبيّة الكرديّة التي ساهمت في نشر ثقافة الارتباط بالهويّة الكرديّة لكن دون أيديولوجيّة واضحة، وظلّت محصورة في إطار الحزبويّة الضيّقة، وبالطبع كانت سرّيّة يتعرّض قارئها إلى السجن والعنف في المعتقلات والأقبية المظلمة للنظام السوريّ.

لقد كانت ولادة الصحافة العربيّة موازية للصحافة الكرديّة، إلّا أنّ نشوء الدولة العربيّة كان على حساب تطوّر الصحافة العربيّة من ناحية الشكل والكم على حساب الصحافة الكرديّة التي قوبلت بحملات الإبادة الثقافيّة والصهر، وإحلال ثقافة الدولة القومية العربيّة عوضاً عنها.

أمّا بالنسبة إلى العالم الافتراضيّ المسيّر على يد الأجهزة الإعلامية العالميّة كأساس مهمّ لترسيخ الرأسمالية ذهنيّاً، وصار الإعلام الافتراضي يلتهم الذهنيّة ويحوّل الواقع إلى عالمٍ افتراضيّ يحوّل الخيال إلى حقيقة افتراضيّة لا وجود متكامل لها، وقد أضحى معظم روّاد العالم الافتراضيّ أداةً تسيّر المجتمع عبر بوّابة مواقع التواصل الاجتماعيّ التي لا تمتّ إلى التواصل الاجتماعيّ بصلة.

لقد باتت الصحافة بشكل عام صانعة الخطاب الذي تؤدلج فيه المجتمع، من خلال بثّ الأحداث بطريقة مؤدلجة، ولا يوجد إعلام غير مؤدلج بشكل عام، فبالتالي يعدّ الخطاب الإعلامي صانع نسق الخطاب الدولتي، وبالتالي أيّة منظومة إعلاميّة خارج إطار الدولة يجب أن تُحارب لا محالة، سواء عن طريق الخطاب المفروض من قبلها على الجماهير عبر مؤسساتها التعليميّة والأمنيّة والعسكريّة، أم عن طريق العنف، لذلك كانت الصحافة الكرديّة مقموعة في ظلّ قوّة النظام القائم في كنف الدولة التي تعيش ضمنها.

لم أعرف الصحافة الكردية إلّا عبر صحافة الأحزاب الكردية، والتي كان لها دور كبير في رفد عالم الصحافة الورقية في ثمانينيّات وتسعينيّات القرن الماضي، قبل انتشار الانترنت، وأتذكّر أنّنا كنّا نشتري مجلة الحرية التي كانت تصدرها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والتي كانت تغازل الكرد قليلًا عبر صفحة القراء، فكانت عبارة كردستان تظهر في أشعار بعض المواطنين الذين كانت تنشر لهم المجلة، فكانت أعداد المجلة تفقد إذا ظهرت فيها أيّة إشارة إلى الوجود الكرديّ، وكانت هذه المجلة تنتشر في الوسط الثقافي الكردي كالنار في الهشيم.

وكان هناك شحّ في الصحافة الكردية المكتوبة باللغة العربيّة، بالمقابل كان هناك ضعف أشدّ في الصحافة الكردية المكتوبة باللغة الكردية، وكانت هناك مجلات وجرائد لكافة الأحزاب الكرديّة، وإن كانت هناك ركاكة في الكتابة العربيّة، وضعف في الصياغة اللغوية ناهيك عن الأخطاء الجسيمة، وهذا ليس عذرًا كبيرًا لأنّ الكتّاب كانوا كردًا، وبالمقابل كانوا يكتبون بأسماء وهميّة، خوفًا من الاعتقال.

لقد كان هناك شغف لقراءة أيّ منتوج عن الكرد باللغة العربيّة، فكان هناك ضعف كبير في الكتابة باللغة الكرديّة لدى المثقفين الكرد، لقد كانت اللغة العربيّة هي الدارجة، على الرغم من وجود بعض الكتّاب الكرد النادرين الذين كانوا يكتبون باللغة الكرديّة، لكن كانت قراءة تلك المواد المطبوعة باللغة الكردية ضعيفة جدًّا، بل كانت شبه معدومة، وكانت هناك أخطاء جسيمة أيضًا باللغة الكرديّة نكتشفها الآن.

لقد كان عصر التصحّر الثقافي الكرديّ من خلال المنتوج القليل، لقلّة الكتّاب من جهة، وضعف التداول من جهة أخرى، فكانت تباع بعض الكتب باللغة العربيّة عن الكرد في مكتبة الزهراء في حلب مثل (كردستان مستعمرة دولية – سبعة أيّام مع آبو – تاريخ الكرد وكردستان…) وبمجرد شراء الكتاب كان هناك عنصر مخابرات يستوقفك، فقد كان الكتاب مسموحًا بيعه لكن ممنوع عليك اقتناؤه.

لم تكن هناك مجلّة تضاهي مجلة صوت كردستان باللغة العربيّة من حيث جودة الإخراج من جهة، ونوعيّة الورق من جهة أخرى، وكانت ملّونة، لكن كانت مضغوطة جدًّا فحروفها كانت صغيرة جدًّا، وكعادة الصحافة الكرديّة باللغة العربية كانت مليئة بالأخطاء الإملائية والنحويّة والتراكيب الخاطئة، لكنّها استطاعت أن تغيّر من ذهنية المثقّفين، وكانت خطرًا على الدولة لاتجاهها اليساريّ، والزخم الفكريّ الثوريّ فيها، وكانت منوّعة جدًّا.

كان هناك جدل كبير حول الكتابة باللغة العربيّة، وكانت هناك دعوة للكتابة باللغة الكرديّة، لكنّها لم تلقَ نجاحًا، وذلك لعدم وجود المدارس التي تعلّم اللغة الكرديّة، وعدم وجود الكادر التعليمي، وسرّيّة هذه المسألة خوفًا من الملاحقة الأمنيّة التي كانت تعتبر الكتابة والقراءة باللغة الكرديّة جرمًا أمنيَا ولم يكن ذلك ممنوعًا على بقيّة المكوّنات في سوريا كالسريان والأرمن والتركمان وسواهم.

لم تستطع هذه الصحافة الكردية المحظورة أن تصل إلى يد القارئ الكرديّ والعربيّ على السواء لضعف الإمكانيات المتوفرة لديها مقارنة مع الصحافة العربية السورية كصحف الوحدة والبعث ونشرين وغيرها من منشورات وزارة الثقافة وغيرها، فما الذي تستطيع فعله هذه الصحافة أمام الترسانة الأيديولوجيّة الضخمة للحزب الواحد الذي لا يقبل أي نفس غيره؟ لكن بالمقابل استطاعت هذه الصحافة أن تمهّد لثورة روجآفا، وأن تكون ركيزة انطلاقة الصحافة الكرديّة في روجآفا.

لن نتحدّث عن تضاؤل دور الصحافة بشكل عام بعد انتشار القضائيّات وشبكة الانترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي، لكنّنا أمام نهضة ثقافيّة صحفيّة ملحوظة على الرغم من السلبيات الكثيرة.

على الرغم من اضمحلال واقع القراءة الورقيّة بسبب انتشار ثقافة النت والتواصل الاجتماعيّ، وعلى الرغم من تراكم الصحف والمجلات الورقيّة في المؤسسات وعزوف معظم الناس عن القراءة الورقيّة، ولن نستطيع الهروب من هذه الحقيقة، لكنّ تاريخ الصحافة يصنع نفسه في هذه السنين الثمانيّة، انظروا إلى هذا الكم الهائل من الكتّاب والمجلّات والجرائد الورقيّة، أذكر أنّه عندما تحرّرت بعض القرى في الرقة كانت هناك عائلة أعطيتها عددًا من جريدة روناهي وبعد يومين قال لي ربّ العائلة لقد وزّعنا أوراق الجريدة فيما بيننا وقد حفظنا كلّ كلمة من هذه الجريدة، وهنا أدركت أنّ معظم الناس لا يمتلك النت والكهرباء، فالصحافة الورقيّة هي الحلّ لإشباع هذا النهم الثقافي الذي كانوا محرومون منه في ظلّ داعش.

لقد تطوّرت اللغة الصحفيّة، وبدأت تنحو نحو الاحترافيّة، وهناك فارق كبير ما بين جريدة روناهي قبل ست سنوات والآن، وأذكر الكثير من الكتّاب كيف تطوّرت لغتهم الصحفيّة؟ وكيف باتوا محترفين، وشتّان ما قبل 2011 والآن، وـأقصد الكتاب الذين واكبوا الثورة وليس الذين نؤوا في كهوف بعيدة عن الواقع، بالطبع تطوّر نوع الورق وعدد الورق وعدد الأيام التي تصدر…

لكنّ بالمقابل نرى أنّ الإعلام المكتوب في النت يتطوّر تطوّرًا ملحوظًا، فقد بدأ بالفعل يغيّر من ذهنية المجتمع، وبدأت اللغة الإعلامية تستطيع التعبير عن نفسها وتستطيع الولوج إلى ما وراء الواقع الكرديّ، وبدأت تنحو نحو التآلف المجتمعي والوصول إلى القارئ العربيّ، وباتت لغة الخطاب السلطويّ تتغيّر، وتنحو يومًا بعد يوم نحو الديمقراطية ولغة المجتمع، فقد كان الخطاب الإعلاميّ سلطويًّا، وبدأ رويدً رويدًا الوصول إلى المجتمعية الاحترافيّة، لا شكّ أنّ الكتّاب متأثّرون جدًّا بالتربية السلطوية ما قبل الصورة وانعكس ذلك على نوعية الخطاب في بدايات الثورة، وكانت لغة المسبّات والتهكّم والاستهزاء هي الدارجة لكنّها وصلت إلى العقلانية غير الأداتية بالطبع، ومازالت في طور التطوّر.

لا شكّ أنّ المبالغة في تصوير الواقع والعاطفية المفرطة في بدايات الثورة كانت مسيطرة على لغة الإعلام، لكن بدأت تنحو نحو التوازن الآن، ويمكننا إدراك هذا التطوّر من خلال المقارنة بالمناطق الأخرى، فبمقارنة بسيطة بين الإعلام في شمال وشرق سوريا وبين إعلام درع الفرات الذي يعتمد على المسبّات والشتائم والقدح والذمّ والتهكّم يمكننا ملامسة هذا الفرق، فقد كان الإعلام الكرديّ أسير هذه النزعة السلطويّة الإقصائيّة، وكذلك الإعلام السوري عند النظام الذي لم يغيّر من خطابه أبدًا.

لا شكّ أنّ واقع الإعلام بشكل عام الآن هنا أمام تحدّيات كبرى، فإنّها أمام تحدّ قراءة المستقبل وتحليله، فما زال الإعلام يعيش حالة (الآن)، وحالة اللحظة وتحليل اللحظة سواء فكريًّا أو سياسيًّا أو ثقافيًّا…

إنّ المسؤولية الكبرى تقع أمام الإعلام الورقيّ، فالإعلام المرئيّ والسمعيّ له مهمّة قراءة الواقع أكثر من قراءة المستقبل، لكن المسؤولية الكبرى في تحليل المستقبل والنظرة التركيبية للواقع تقع على عاتق الإعلام الورقيّ، فهو يستطيع أن يحذف وينسخ ويلصق ويعدّل وينقّح ويحلّل ويركّب قبل أن ينتج منتوجه، وبالتالي هو أمام مسؤولية كبرى.

لا شكّ أنّ الإعلام الكرديّ باللغة العربية عليه أن يساهم في تطوير لغته الكرديّة من خلال المقارنة والاستفادة من تجربة الكتابة بالعربيّة، فالمكتبة الكرديّة فقيرة جدًّا بالكتب، والمنتوج الكرديّ ضحل وضعيف، فالكاتب الكرديّ باللغة العربية يحمل ثقافة واسعة نظرًا لضخامة المنتوج باللغة العربيّة، فمعظم هذه الكتب وهذه المواد يجب أن تترجم إلى اللغة الكرديّة، فهناك جيل جديد ناشئ يتعلم لغته الكرديّة ويبتعد رويدًا رويدًا عن المكتبة العربية الغنيّة جدًا، ومن هناك يأتي مفهوم تلاقح الحضارات، ومفهوم العيش المشترك من خلال الاستفادة من تجارب الشعوب، وهي السياسة الفكرية التي يجب أن تكون نهجا لشعوب شمال وشرق سوريا وسوريا بشكل عام وصولًا إلى شرق أوسط ديمقراطيٍّ.

إنّ الكتابة باللغة العربية ليست عذرًا وليست ضعفًا وليست ابتعادًا وعزوفًا عن اللغة الأم، وهذا ما حاول تصويره البعض من خلال توصيفهم الواقع الكردي على أنّ الكتّاب الكرد الذين يكتبون بالعربيّة لن يدخلوا التاريخ وهم يخنون تاريخهم وذاكرتهم، لا شكّ أنّ هذا الوصف من قبل الكثير من المثقفين الكرد لا يصف الواقع بشكل حقيقيّ، فالذاكرة العربية أصبحت مترسّخة لدى جيلنا والجيل الذي قبلنا، وبتنا لا نستطيع أن نفكّر بشيء إلا بالعربيّة، وصحيح أنّ اللغة هي ذاكرة الشعوب وهويتها ولم تمت اللغة الكردية على الرغم من محاربتها منذ القدم وكانت أشد حرب عليها في القرن الماضي، لكنّ اللغة العربية هي لغة المجتمعات التي نتعايش معًا في كنف سوريا، وهي ستكون أداة لإيصال الفكر الديمقراطيّ وإحياء للذاكرة السياسيّة الأخلاقية التي طمست خلال العقود المنصرمة، فالمجتمعات في شمال وشرق سوريا تثور معًا، وتتطوّر معًا، وتنبذ معًا أفكار التعصّب (القومي، الديني، الجنسيّ) وتمهّد معًا لمشروع التعايش المشترك.

لقد كانت الصحف والمجلّات قبل الثورة كما ذكرنا أداة لترويج أفكار الحزب، لكنّنا الآن أمام ثقافة كبرى وأعمق بكثير وأوسع، فهناك مشروع في شمال وشرق سوريا، وهذا المشروع لا معنى له دون ترويج إعلاميّ له، فهناك حرب إعلاميّة كبيرة جدًّا.

فعلى سبيل المثال لنقارن ما بين صياغة هذا الخبر بطرق عدّة:

“وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية على مدينة «منبج» بعد انسحاب تنظيم «الدولة» منها”

وبين أن تقول:

“استعاد المجلس العسكريّ لمنبج التابع لقوّات سورية الديمقراطيّة مدينة منبج وطردت عناصر داعش منها”

وبين من يقول:

“وسيطرت ميليشيا قسد على مدينة «منبج» بعد انسحاب تنظيم «الدولة» منها”

وبين أن تقول:

“وسيطرت ما يسمّى بقوات سوريا الديمقراطية بالتعاون مع الاحتلال الأمريكي على مدينة «منبج» بعد انسحاب تنظيم «الدولة» منها”

هناك فارق بين تقول ميليشيا أو قوات أو تقول تنظيم الدولة أو داعش، أو تذكر التحالف أو لا تئكره أو تصفه بالاحتلال أو تقول قوات التحالف أن تقول انسحاب داعش أو هزيمة داعش، فكلّها شيفرات تغيّر من نظرتك للسياسة وللحياة وللواقع بشكل عام.

فنفس الخبر لكنّ صياغة الخطاب قد غيّرت من كلّ شيء، فمن يقل: إنّ الإعلام الحقيقي هو الإعلام البعيد عن الأيديولوجيا فهو يعيش في وهم لا محالة. بالتالي فالإعلام هو الأيديولوجيا لا محالة.

إننا أمام أنواع من الخطاب (الخطاب التركي، الخطاب الغربي، خطاب النظام، الخطاب العربي) وكل خطاب يرتبط بمصالحه السياسية والدولتيّة، والإعلام وسيلته في تمرير هذه السياسة، وبالتالي استطاع الإعلام باللغة العربية هنا أن يمهّد لخطاب انتي بروبوغندا لهذه الخطابات كونه يعتمد الخطاب المجتمعيّ، ولكنّه يحتاج إلى الاحترافية بعد.

باعتباري مدير تحرير مجلة الشرق الأوسط الديمقراطيّ في الأعداد العشرة الأخيرة سأتحدّث عن تجربة هذه المجلة التي طبع منها العدد الخامس والأربعون، لقد استطاعت هذه المجلة التي تأسّست في عام 2003 أن تكون منبرًا ثقافيًّا لروّاد الفكر الديمقراطيّ ضدّ ثقافة الدولة وثقافة هندسة الشرق الأوسط عبر أطروحة الشرق الأوسط الجديد، وقد وزّعت هذه المجلة ورقيًّا في عدّة بلدان حيث يتم طبع المجلة بمطابع في سوريا والعراق ولبنان ومصر ويتمّ إرسالها إلى الجزائر وأوروبا.

وأضحت لسان حال ثقافة الحضارة الديمقراطيّة، ومازالت تحاول الوصول إلى الغاية المنشودة في البحث عن آليات ومشروع للشرق الأوسط الحضاري الديمقراطيّ.

لقد تم نشر العدد الأول من المجلة في بيروت والعدد الثاني ببغداد، فالمجلة تتخذ طرف الديمقراطيين والتقدميين والمفكرين المتنورين وتتحيز لهم، وفي الوقت عينه تتخذ من العقليات القومية الضيقة والأفكار الرجعية والتدخلات الاجنبية هدفاً لانتقاداتها وتحليلاتها. إنّها تمدد الشرق الاوسط على المشرحة وتقوم بمعاينة الداء واقتراح الدواء، على أن يكون الدواء أصيلاً ومنبثقاً من تربة المنطقة بالاستفادة من تجارب العالم.

فالكاتب الحرّ بنظر المجلة هو المؤمن حتى النخاع بالتعددية والديمقراطية والعيش المشترك بين الشعوب والمؤمن بحرية المرأة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والحريات العامة وحرية الفكر.

خصائص وأهداف المجلة:

  • مجلة فصلية، فكرية، ثقافية وسياسية تهدف إلى دمقرطة الشرق الأوسط وخلق الذهنية المعاصرة وإرساء دعائم تآخي الشعوب، تحتضن جميع نتاجات الساسة والمفكرين والمثقفين والأدباء والأكاديميين الديمقراطيين التقدميين وتكون منبراً لأفكارهم الديمقراطية.
  • تحمل على عاتقها وضع مشاكل الشرق الأوسط الاجتماعية والسياسية والثقافية تحت الضوء وتجهد إلى خلق الحلول المناسبة لها.
  • تهدف إلى إزالة الرواسب الذهنية للأنظمة السلطوية والقومية الشوفينية والدينية المحافظة وكل المعتقدات الرجعية والمفاهيم المستندة على أسس العنف والترهيب. وتكون جسراً لتآخي شعوب الشرق الأوسط.
  • تكوين أطروحة الحياة المستقبلية للشرق الأوسط استناداً على دعائم ماضيه الحضاري والإنساني العريق.

وتعمل المجلة على طرح بعض المواضيع عن تاريخ الشرق الأوسط، وتحليل ديانات الشرق الأوسط وتأثيراتها في الحياة والفكر، ومقابلة بعض الشخصيات المهمة حول العلاقات الأخوية بين الشعوب، وبالأخص بين الشعب الكردي والقوميات الأخرى، ماضياً وحاضراً أو آفاقها المستقبلية، وبعض المواد النقدية والتحليلية حول الأدب والفن حسب وجهة نظر الفكر التقدمي والديمقراطي، وعرض النماذج والأمثلة المشابهة لمشاكل الشرق الأوسط في مناطق أخرى من العالم، ومن ناحية أخرى استحضار مواضيع تعالج سوسيولوجية الشرق الأوسط والشرائح الاجتماعية (المرأة، الشبيبة، الأطفال، المسنين والشرائح الأخرى في المجتمع) ومواضيع لتعريف عظماء وكبار أعلام الشرق الأوسط، وأيضًا مواضيع العصيان المدني، الوجدان، حرية التعبير، حقوق الإنسان، المجتمع المدني، الإعلام، التراث الثقافي والحضاري للشرق الأوسط والعديد من المواضيع المعنية بالحياة والفكر الشرق الأوسطي ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، داعش، الأقلّيات والهوية، والإدارة…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.