لبنان: موجة من الملاحقات بسبب حرية التعبير

0 37

(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن موجة الملاحقات القضائية التي بدأت منذ اندلاع الاحتجاجات التي عمت البلاد في17 أكتوبر/تشرين الأول، ضد النشطاء والصحفيين المنتقدين لسياسات الحكومة والفساد، تُهدّد حرية التعبير والرأي في لبنان.

استدعت الأجهزة الأمنية 29 شخصا على الأقل للتحقيق معهم بسبب تهم متعلقة بحرية التعبير، بما في ذلك القدح والذم، بين 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 و6 مارس/آذار 2020. يعتبر القدح والذم جريمة في لبنان قد تصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات سجن. نقلت وسائل إعلام أيضا أن 20 شخصا على الأقل، بينهم 18 طفلا، احتُجزوا لوقت قصير واستجوِبوا في حادثتين مختلفتين بسبب تمزيق لافتات  لسياسيين وللرئيس.

قال مايكل بَيْج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: ” بدلا من تلبية مطالب المحتجين بالمحاسبة، تُوجّه السلطات اللبنانية تهماً إلى النشطاء والصحفيين الذين يكشفون الفساد ويُعبّرون سلمياً عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الممارسات تؤكد الحاجة إلى إصلاح قوانين القدح والذم الجنائية التعسفية في لبنان فوراً”.

قابلت هيومن رايتس ووتش ستة نشطاء حققت معهم الأجهزة الأمنية مؤخرا بعد تقديم بعض السياسيين والشخصيات البارزة الأخرى دعاوى قدح وذم ضدهم بسبب منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

في 2 مارس/آذار، استجوب “مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية التابع لقوى الأمن الداخلي” (مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية) الناشط خلدون جابر على خلفية شكوى قدمها رئيس إحدى البلديات الذي اتهمه خلدون بالفساد في مقال نشره في يوليو/تموز. قال جابر لـ هيومن رايتس ووتش إن التحقيق معه استمر ساعتين ولم يُطلب منه توقيع أي تعهد أو إزالة المقال.

قال جابر إن فرع مخابرات الجيش في محافظة البقاع استدعاه في 3 مارس/آذار للتحقيق معه على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي اعتُبرت مهينة لرئاسة الجمهورية والجيش. قال إنه رفض الذهاب إلى الفرع بسبب دعوى تعذيب كان قد قدمها ضد نفس الجهاز ولا تزال عالقة.

قال جابر لـ هيومن رايتس ووتش: “الدولة تستخدم هذه الأساليب القمعية لتخويفنا وإجبارنا على وقف نشاطاتنا الاحتجاجية. لكن ما بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول ليس كما قبله… لن ندعهم يسرقون حلمنا”.

في 27 فبراير/شباط، حقق “قسم المباحث الجنائية المركزية” التابع لقوى الأمن الداخلي  مع المدوّن البارز جينو رعيدي والإعلامية ديما صادق بعد تقديم أحد الأحزاب السياسية دعوى ضدهما بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، و”إثارة النعرات المذهبية”. قال رعيدي إن منشوراته على انستغرام وتويتر موضوع الدعوى، تنقل أحداث فعلية وتصريحات قام بها هذا الحزب. قال إنه أُطلِق سراحه بعد استجوابه لمدة ساعة ونصف دون أن يُطلب منه إزالة المنشورات أو توقيع تعهد.

مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية استجوب أيضا الناشط البارز شربل خوري في 24 فبراير/شباط بعد تقديم مستشار أحد السياسيين البارزين دعوى قدح وذم ضده. كان خوري قد انتقد المستشار في تغريدة. قال خوري إن بعد التحقيق الذي دام نحو ساعة، قال له ضباط مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية إن عليه حذف التغريدة وتوقيع تعهد بعدم إهانة المستشار. قال خوري إنه عندما رفض ذلك أمرت المدعية العامة التي تنظر في قضيته بتوقيفه.

اقتاده العناصر إلى زنزانة صغيرة مكتظة ومتسخة داخل المكتب. قال خوري إنه احتُجز نحو خمس ساعات حاول الضباط خلالها إقناعه ثلاث مرات بتوقيع التعهد. قال خوري: “كانوا يفاوضونني كأنهم يساومون لشراء كيس بطاطا”. قال إنه أُطلِق سراحه تحت الضغط الشعبي الذي دفع المستشار إلى سحب الدعوى.

حقق “جهاز أمن الدولة” العروف بصلته برئاسة الجمهورية مع الناشط فراس بو حاطوم في 13 فبراير/شباط على خلفية تهمة تحقير مقام رئاسة الجمهورية على صفحته على فيسبوك. قال بو حاطوم إن التحقيق استمر خمس ساعات سأله خلالها الضباط عن تفاصيل شخصية لا علاقة لها بالقضية، بما في ذلك معلومات حول زوجته وطفليه فيما اعتبره محاولة لتخويفه.

قال بو حاطوم إنه أُجبِر على حذف المنشورات المهينة وتوقيع تعهد بعدم التعرض لمقام رئاسة الجمهورية: “قال لي الضباط ’إما توقّع أو تدخل السجن‘. لدي طفلان، لم يكن لدي الخيار”. قال إن هذه التجربة أثرت على قدرته على التعبير عن نفسه بحرية، “لا زلت أكتب، لكن ليس كل شيء، لأني أعرف أنه قد يتم استدعائي مجددا”.

في 7 يناير/كانون الثاني، حقق مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية مع الصحفية والناشطة البارزة نضال أيوب بعد أن قدم صحفي آخر دعوى ضدها. تضمنت التهم تحقير الرئيس، والمس بالذات الإلهية، والنيل من هيبة الدولة. قالت أيوب إنها التزمت الصمت خلال التحقيق ورفضت توقيع تعهد بالامتناع عن الإدلاء بتصريحات مشابهة.

كانت أيوب قد تقدمت بدعوى قدح وذم ضد المدعي لادعائه في أحد الفيديوهات أن أيوب عميلة للخارج. قالت أيوب إنها تلقت تهديدات وتعرضت حياتها للخطر، مع ذلك لم تتخذ النيابة العامة أي إجراء متعلق بدعواها.

حقق مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية مع السينمائي والناشط ربيع الأمين في 31 ديسمبر/كانون الأول بعد تقديم رئيس أحد المصارف دعوى قدح وذم ضده على خلفية منشور على فيسبوك يزعم أنه يتوجه إليه بالنقد والإهانة. قال الأمين إن التحقيق استمر نحو أربع ساعات، أمهله ضباط المكتب بعدها 24 ساعة لحذف المحتوى المهين المزعوم من منشوره على فيسبوك، بقرار قضائي.

قال الأمين إن مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية اتصل به ذلك المساء لاستجوابه مجددا حول تعليقات مهينة أدلى بها خلال مقابلة تلفزيونية بعد التحقيق الأول. حقّق المكتب مع الأمين مجددا في 3 يناير/كانون الثاني، استمر التحقيق ساعتين وقّع الأمين بعده تعهدا بعدم إهانة أو انتقاد المدعي شخصيا إنما احتفظ بحق “انتقاده سياسيا”. حذف الأمين المنشور المهين عن فيسبوك

يكفل الدستور اللبناني حرية التعبير “ضمن دائرة القانون”، لكن قانون العقوبات يجرّم الذم والقدح ضد الموظفين العموميين ويعاقب عليه بالسجن حتى سنة. يجيز قانون العقوبات أيضا الحبس حتى سنتين بتهمة تحقير الرئيس، وثلاث سنوات لإهانة الشعائر الدينية. يعاقب القانون العسكري تحقير العلم أو الجيش بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

قالت هيومن رايتس ووتش إن القوانين التي تسمح بالسجن على خلفية الانتقاد السلمي لأفراد أو مسؤولين حكوميين تتعارض مع التزامات لبنان الدولية بحماية حرية التعبير.

في نوفمبر/تشرين الثاني نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرا فصّلت فيه تحقيقها الذي استمر سنة كاملة في الهجمات على حرية التعبير في لبنان. خلُص التحقيق إلى أن المسؤولين الرسميين والقوى الأمنية استخدمت قوانين القدح والذم في عشرات القضايا بين 2015 و2019 للانتقام من منتقدين المسؤولين الرسميين أو سياسات الدولة وإسكاتهم، ما أدى إلى آثار مخيفة على حرية التعبير.

قال بَيْج: “يستخدم النافذون قوانين القدح والذم في لبنان لإسكات النشطاء المشاركين في الاحتجاجات التي تعم البلاد. هذه الملاحقات، السياسية بدوافعها، تبيّن الحاجة إلى أن يلغي البرلمان القوانين التي تجرّم حرية التعبير”.

المصد : هيومن رايتس ووتش

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.